لقد تغيرت اشباء كثيرة منذ ذلك اليوم ..
لم يغير احد ملاءات السرير ..
شبابيك المنزل مغلقة كما هي فلا نسمات من الهواء تدخل .. ولا الظلام بالداخل ينقشع
اعتلت الارضيات طبقة من التراب ومن وقت لاخر تلمح هذا العنكبوت او ذاك يتحرك في تؤدة وملل يختار ركناً من الاركان البعيدة ليصنع منها منزلاً له
لا اصوات هنا وهناك .. حتى الشارع لم يعد مكتظاً بالاطفال كما كان .. انهم لا يصرخون .. لا يتشاتمون .. لا يلعبون
لا توجد الجارة ام عطيات التي توسعهم ضرباً ولعناً كي يتوقفوا عن الصراخ
حتى عم عبده البواب اصبح اكثر مللاً .. هل يوجد عم عبده هذا اصلا ؟ ..
اتناول كتاباً يتحدث عن شئ ما واحتسي قدحاً من القهوة في المكان الوحيد الذي خصصته لنفسي في هذا المكان المصاب "بالبهدلة" .. انها شرفة غرفتي التي برغم كل شئ .. لا تزال تبادلني الود ذاته .. ربما اصبحت هي الصديقة الوحيدة لي الان
اجلس على الكرسي .. انظر الى الافق واتذكر أمساُ ليس ببعيد
اتذكر فراقاً لم يكن بالفراق .. اتصور ساعة لم تكن كالساعة
انه الاحساس المستديم بأن هناك شيئاً ما ناقصاً .. لقد اختفى كل شئ .. اصبحاً وحيداً كصخرة في فيافي احدى الصحاري المترامية الاطراف .. حتى هاتفك العجوز توقف عن الضجيج كما كان يفعل .. اصبح نائماً هو الاخر يشاركك من الحين للاخر انذاراً انه يريد ان يأكل .. يريد ان يوضع في الشحن .. حسناً يا صديقي القديم الحمد لله انك على قيد الحياة تقوم ببعض عاداتك القديمة في الاكل والنوم
لم يعد هناك احد يهتم بالحدائق التي كانت امام شرفتك .. هذه الزهرات البائسات اعلنت صراحة ان خريف عمرها اقترب وان شتاءاً عابساً على الابواب الان
لا يبدو ان حياة الانسان تتوقف عند الافتراق كما يدعي البعض .. الشوارع على مرمى البصر تعيش بنفس الروتين السيارات تتحرك هنا وهناك .. نفس الباعة الجائلين ينادون باصوات عجيبة على سلعهم الاعجب
ان حدائقك انت فقط .. لم تعد تجد من يهتم بها فدبلت ودبل ما فيها ..
انها تلك اللمسة السحرية التي كانت لتطال كونك كله فيصبح غناءاً مليئاً بالنشاط .. انه هو ما اشعر به اليوم
لقد احتجت ايها الوحيد الى من يعطي كونك اهتماماً وراحة "ما" لا تعرفها الاها فلما غابت لم تعد تدب الحياة في اوصالك الا ها هنا .. انه هذا الجزء الذي يضمن لك وجوداً ما في الدنيا .. المكان الوحيد الذي الفته والفك الذي تعطيك مكوناته ما تستطيع كي تشعر انت فقط انك افضل حالاً
كم اعشق قدح القهوة هذا .. تجلس وقد رحلت خاطرة الارض اليابسة عن رأسك .. هاتفك المحمول يعلن انه لا يحتاج الى مزيد من الطاقة .. تقرأ منتظراً غداً مختلفاً .. تصمت .. ثم تنهيدة .. ثم انه "اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك" ...

No comments:
Post a Comment