Monday, September 23, 2013

"كارثة التعليم في مصر - الجزء الاخير" فماذا نفعل ؟

فيما سبق من تدوينات عن هذا الموضوع حاولت ان اوضح وجهة نظري في ان عملية التقييم التي نجحت جامعة القاهرة في ان يتم تضمينها كواحدة من افضل 500 جامعة على مستوى العالم هو امر لم يبنى في الاساس على اداء الجامعة الاكاديمي لكنه كان اصلا ناتجاً من عدد الطلاب المصريين الدارسين والخريجين والعاملين بها وقد سقت دلائل على ذلك 

ثم تعرضت فيما بعد للمعالجة الإعلامية للأمر الذي يدعو الجميع دوماً ان يستشعروا ان كافة الامور بخير واننا يجب ان لا نعطي الامور بالاً وقد ذكرت مدى خطورة هذا التداول الاعلامي الذي يحاول في المقام الاول ان يغازل النظام الحاكم اياً كان من جهة وان يقرب هذه الجهة السيادية من المواطنين بذكر انجازات قد تكون وهمية في بعض الاحيان من اجل الحصول على بعض الثقة من الشعب بأخبار قد لا تهم العديدين. 

وحتى يكون طرحنا موضوعياً وجب علينا ان نقدم طرقاً واساليب لحل هذا الموقف الذي لم يقترب احد من حله منذ قديم الازل بحق 

تأملوا هذه الصورة جيداً ...

في هذه الصورة السيد سائق القطار"رايق" بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. فالرجل صاحب مزاج لم تكن السجائر العادية لتضبط له مزاجه فقرر ان يحضر شيشته معه ! 

ان الهدف الرئيسي الذي قررت لأجله ان ارفع هذه الصورة هنا هي نظرية "الفهلوة والفتاكة" عند المصريين ضع بجانبها "المحسوبية والوساطة والخدمات" تصنع من امثال هذا الرجل كما تريد

في مصر توجد مشكلة كبيرة جداً اعتبرها قبل المواد العلمية الدراسية وطرق التدريس وغيرها هي اعتى المشاكل المجتمعية والتي تأثر التعليم بها بشكل قاطع وهي كما ذكرت منذ قليل مبدئ "الخدمات" 
في كل مصالح البلد دائماً هناك من يظبط فلان في مصلحة ليقوم الفلان التاني بتظبيط الاولاني في مصلحة اخرى 
دائماً .. ابن الدكتور دكتور في نفس المستشفى وابن المهندس مهندس في نفس الشركة وان كان المهندس استاذاً في الجامعة لكان الابن معيداً فيها ! 

انها الظاهرة الكونية الاعجب على الإطلاق والتي تشي دوماً بسوء التوزيع وغياب العدالة الاجتماعية في البلد .. 
لا .. لن يعطوه امتحان اخر السنة .. لكنه قد لا يقدم "الشيتات" الخاصة به .. ولو قدمها .. فانه سيكون مضرب المثل في الروعة والكمال الذي هو لله وحده .. تعلموا من فلان ويأخذ هو 10 ويأخذ اول السكشن 9 
كلاهما سيتم تعيينه .. لكن يجب تظبيط ابن الغالي اولاً 

وهذا الامر غريزة رئيسة في مصر .. مبنية على الاساس من صفة حميدة وهي خوف الاباء على مستقبل ابنائهم ورغبتهم في ان يأمنوا لهم مستقبلاً جيداً 
خذ هذا الذي تم تظبيطه وانظر لحياته عن كثب اذاً ..
 هو الان فيما هو فيه اختيار ولي امره له .. وانا اتكلم عن النسبة الشائعة رجاءاً لاتحدثني عن المهندس الذي اصبح مهندساً لانه احب الهندسة ولأجل الصدفة فان والده مهندس ايضاً ! جميعنا هنا يعرف عن ماذا اتحدث بالضبط 

عندما كان صديقنا هذا في مراحل التعليم المختلفة وخاصة نهايات الاعدادية .. كان المدرس "الخصوصي" وهي طامة اخرى بلينا بها 
يعطيه "البهاريز" او "الكتاكيت كما يعرفها طلاب هندسة القاهرة الذين يأخذون دروساً هم ايضاً !" 
ذاكر دول وفكك من دول وخش ابصم هذه الاوراق في الامتحان وادخل هندسة .. ومتنساش حلاوتي 

واذا تراجعنا قليلاً للوراء لوجدنا الانقح .. قد يكون الفتى غير متعلم جيداً .. غير ناجح بالدرجة التي تسمح له بالانتقال للمرحلة التالية .. ولكن المدرسين يمررونه للسنة التالية "في غير سنوات النقل" .. اكراماً لامه اللي تعبت معاه وطلع عينيها 

ان هذه المخلفات تنتج بجدارة مهندسين يدرسون في كلية الهندسة وحتى اليوم يكتبون "ذكريات" هكذا زكريات .. او "النهارضة" واخر العنقود الذي مر علي قبل كتابة هذه الكلمات كانت "يامين بالله العظيم ..." ويقصد بذلك ان يحلف ! 

ان اول بلايا بلادنا هي قلة الضمير وعدم مراعاة الله فيما نفعله او خليني اكون ادق .. ان اراعي ضميري فيما افعل طالما هذا الضمير سيستخدم امام المجتمع وليس اولادي ! 

اما عن ثاني اخطر ظاهرة في رأيي .. فانظروا هذه الصورة 

 ربما كانت اللوحة المكتوبة اعلى هذا الصف من المجلدات قامة بالوشاية المطلوبة عن محتواها ..

اجل .. انها رسائل دكتوراه كتبها القائمون عليها في فترة تراوحت ما بين 3 الى 5 سنوات ان كنت مهندساً وحقاً لا اعرف كم سنة ان كنت طبيباً لكني اتصور انها بالمثل 

تباع على الرصيف بالطبع لطلبة سيشترونها من اجل ان يقوموا بتأليف مجلدات توضع مكان الموجودة هنا يوماً ما ! 

اذاً فتبادل العلوم في مصر يتم في سور الازبكية .. لا في المجلات العالمية المختلفة ولا من اجل تحقيقي شئ قدر الحصول على الشهادة التي تؤهل حاملها ان يفتتح لنفسه عيادة خاصة في المهندسين .. وكان الله بالسر عليم

قرررب قرررب قررررب .. عزيزي القارئ ادرك جيداً انني لم انكر ان هذه المراجع موجودة في الجامعة ومكتباتها الخ .. اجل انها موجودة "بنسبة لن تتجاوز ال 30% بحال" ولكن صعوبة الوصول اليها واستخدامها جعلها موجوده بهذه الطريقة وصدقني .. فالكميات كلها تباع 
وبالتالي اذا رجعت للجزء الاول من هذه السلسلة ستصل الى ان جامعة القاهرة التي احتلت مركزاً في اخر 100 جامعة .. لم يكن لما يقوم الطلاب بنشره في المجلات العلمية المختلفة فعدد الرسائل التي قد تضيف شيئا ً لتنشر قليل بحق 
وهنا يجب ان نضع حداً ونغير منظومة تقييم الابحاث وتدعيمها وحفظها للاستفادة منها لاحقا

:: كنت قد صورت بنفسي صورة تحمل نفس المعنى لمشاريع طلبة الهندسة المعمارية وهي تلقى في سلة المهملات بعد نهاية العام الدراسي فهي لن تجدي بعد اليوم

النقطة التالية .. عزوف المصريين المجتهدين على اكمال دراستهم في مصر .. وهو سبب رئيسي لضعف التقييم في مصر 
فالطالب المصري ما ان ينهي مرحلة الماجيستير وخاصة ان كان عضو هيئة تدريس فانه يهرع الى اي جامعة امريكية عريقة ليحصل منها على شهادة الدكتوراه مستفيداً بدعم الكلية له وهذا الطالب يوضع في حساب خريجي الجامعة الامريكية التي تعلونا كثيراً في التقييم 
وهنا نسأل .. اين اساتذة مصر العظام وباحثيها من هروب الطلاب المصريين من مصر ؟ 
في الاخير سيكون الرد انه ضعف الامكانيات المادية .. وعليه نسأل مجدداً لما كنت قد نشرته في الجزء الثاني لهذه السلسلة .. اين تذهب اموال الجامعة خاصة وانها لا تدخل في ما يتعلق بالرواتب ! 

نقطة اخرى نستطيع ان نتجول فيها قليلاً .. الا وهي مسألة الاختيار .. ان منظومة التعليم تدفع "كريمة" الطلبة فقط لاختيار ما يريدون .. وتدفع باقي الطلبة الذين يمثلون في هذه الحالة 70% دفعاً في شتى الاتجاهات الاخرى .. الامر الذي يخرج بكفاءة شديدة طلاباً لا يحبون ما يعملون ولا يحبون ما يتعلمون وهؤلاء اما يرتضون بحالهم الذي هم فيه او غالباً يغيرون اتجاه سيرهم المهني بعد التخرج فيتخرج بشهادة ويعمل في مجال اخر نهائياً وتصبح حياته الجامعية اكبر هدر لوقته حصل في التاريخ
وتظل نسبة قليلة جداً لكنها موجودة بما يحزن تشمل هؤلاء الذين تعثروا بما يكفي .. وانتهى بهم الحال الى الانتحار في النهاية

وهنا يجب ان اشير انه يجب ان توضع منظومة مدروسة جديدة للاختيار تبنى على المقابلات الشخصية والامتحانات المتعلقة بما تحب من مجال وللمجالات الاخرى حتى اذا ما كان سعيك مخطئاً تستطيع ارشادك الا ما قد تبرع فيه 
الى جانب 
وعندما تحدثت الى دكتور في كليتني العريقة حاصل على 2 بكالوريوس و 2 دكتوراه وهو مهندس معماري في الاصل ولكنه حصل على الدكتوراه الاخرى والبكالوريوس الاخرى في الهندسة المدنية انتهى حوارنا الى هذه الجملة التي لا زالت اتذكرها حتى اليوم وهي تحمل معنى واحد فقط .. ان هذا ما وجدنا عليه اباؤنا واجدادنا .. ثم صمت 

واخيراً نقفز قفزة هامة لنقطة حيوية اخرى وهي كيف يتم التدريس ؟ 
حستاً .. جميع الاساتذة في الكليات هم اوائل دفعاتهم .. فهل يعني هذا في المقابل انهم الاقدر على التدريس ؟ .. الاجابة بمنتهى القطع والحسم ... لا ! 
ههناك الكثير من الخبرات العلمية المصرية التي رميت رمياً في مجال التدريس فلم نستفد منها في اي شئ اخر .. كما انها وللأسف لم تقدم ايضاً ما هو مفيد للطلاب 
ان خريج كلية التربية الذي يعمل مدرساً .. مرت عليه على الاقل مواد في دراسته على مدار سنوات تعليمه الاربع تعلمه كيف يتعامل مع الطلاب .. فهل يكفي كورس الانسانيات العظيم الذي يأخذه طلبة الماجيستير في ان يؤهلهم للتدريس ؟ لا ايضاً .. ولنا هنا وقفة 
في مرة من المرات امامي قام طالب من الطلاب بمخاطبة استاذ المساحة بالكلية فلان الفلاني في المحاضرة وقد كان الطالب ضجراً من الاضاءة السيئة للبروجيكتور الذي وضع امامه فقال له الدكتور حرفياً .. " انا مش ناقصك لو مش عاجبك قوم اعدله لوحدك يا تسكت!" يال العجب ! 
حسناً لا يكفي ان التعليم الهندسي العملي قد اعطي في المدرجات بكامله ولكن ايضاً الوسائل التي تتحصل فيها على هذا العلم غير مريحة ايضاً ! 

كيف بالله عليك تتوقع من الطلاب ان يصبحوا نوابغ وانت ما زلت تدرسهم باسلوب الثلاثينيات !! 
ان ادخال الوسائل العلمية الحديثة والتي تقرب الطالب منك كاستاذ قبل اي شئ امر محتم يجب بحثه فالاساتذة في الكلية يتعاملون بصعوبة حقاً مع الوسائل التكنولوجية اليوم ولانهم لا يعرفونها فانهم لا يحبونها ايضاً لانها كمال قال لي وكيل من وكلاء الكلية يوماً "غير قابلة للتحكم فيها" يال سعادتي الغامرة 

ان تصبح علاقة الاستاذ بتلميذه حميمية اكثر .. بلاش يا سيدي ! 

طلبة قسم مدني .. في مشروع تخرجهم "الخرسانة" ومشروع "الستيل"
وطلبة قسم عمارة الذين يتفنون كل عام في عمل مدينة ما باشكال ما 
 ثم ان تلقى هذه المساعي كلها في الزبالة ! رغم اشراف اساتذة كبار عليها من كل الاقسام 

لماذا لا يكون مشروع تخرجنا هذا العام شاملاً لهؤلاء كلهم معاً ؟؟ .. اهو عيب في التوقيت .. يا اخي اجعل مشروع عمارة في تالتة ! انهم في رابعة يدرسون ترماً كاملاً فيه 3 مواد اختيارية وقد انتهوا تماماً من عمل اي شئ !! 
اضبط الاولويات .. هؤلاء يقومون بالتصميمات الاولية ويعمل عليها باقي الاقسام من اول مشروع الاساست مرورا بالخرسانة والحديد واقسام ميكانيكا وكهرباء 
كما ومشروعات ادارة المشروعات ايضا

لماذا لا يقوم هؤلاء بعمل مشروع تنمية محور قناة السويس واهو الدولة تاخده ببلاش بدل ما يتم اسناده لشركات دولية تأخذ ملايين الدولارات ! اليس الشعب المصري اولى بهذا المال ؟ 

ان هذا الموضوع يحتاج فقط الى عقل متحرر عن "اللايحة اللي بتحركنا" "القوانين التي ارتحنا بالعمل عليها والتي اثبتت نجاحا طول الوقت" 

للاسف اساتذتنا من وكلاء وعمداء في المقام الاول لا يحبون وجع القلب وانني ارجو من الله تعالى ان يرزقنا يوماً ما بعميد ووزير ورئيس وزارة يحبون وجع القلب ! لا بل يدمنوه ! 

والسلام على من يعمرون ! 

No comments:

Post a Comment